الكيان الأعظم


إن ما نقوله اليوم ليس مدعاة لهدم أساس من أسس العقيدة ولا لتأصيل بدعة من البدع الشريدة ، إنما هو البحث الدؤوب عن معنى كل شيء في الحياة حتى ولو أبحرنا ضد التيار وصار الكل ضدنا مثل الإعصار فلا ريح تعصفنا ولا فيضان يغرقنا ولا نار تحرقنا فجذورنا قوية وسواعدنا فتية ورغبتنا في كشف الحقائق بيضاء السريرة نقية ، لذا فنحن ماضون على مانحن فيه ، أولي عزم عتيد وذوي رأي في الحق عنيد .
إننا اليوم بصدد البحث عن معنى لكيان ذو أصل قديم قدم البشرية جمعاء فعمره الوظائفي نشأ من عمر البشرية ، ولولا وجود البشر ما كان هو ولولاه هو ما كنا نحن ، نعم علاقة متشابكة الجذور مترابطة الأواصر مثل علاقة النور والظلام فلولا الضد ماعلمنا الضد ، وكما قال الشاعر فالضد يظهر حسنه الضد ، ولكن هنا لن يظهر الحسن ولا الجمال بل سيظهر وجها قبيحاً ، وما إصطلحت عليه عموم البشرية بكيان مشوه الخلقه بشع المنظر ولكنه رائع المنطق عظيم الأفعال وعالم كبير ، وكأنه له حرية التصرف أينما شاء وحيثما شاء ، لذا فتلك هي الحقيقة الغراء التي لا مناص من الهروب منها فنحن وهو مترابطين متلازمين ، نحن من أعطيناه الكينونة وهو من أعطانا الوجود على هذه الأرض ، بغض النظر عن القدرية الإلهية التي توعد الله فيها بخلق خليفة على الأرض ، فكل الطرق مفادها أن هناك إنسان على الأرض ولكن كان الكيان الأعظم هو أحد تلك الأسباب لتواجدنا على هذا الكوكب ،  فهو عامل مهم ، بل هو العامل الأساسي الذي تراكبت عليه الحياة فيما بعد  .
لذا إذا نظرنا إلى الأمر بنظرة فلسفية عميقة لمعرفة كُنّه ذلك الكيان ولماذا وكيف كانت تلك الهيئة التي إصطلح عليها كل البشر على مر الدهور والأزمان في الأغلب الأعم ، إذ دوماً ما كانت البشرية تنعته بوصف معين بل أن من عبدوه ومن أقاموا الطقوس العقائدية التي تمجد فيه أخذت من أسس تكوينه وطلاسم سحرية لا يتم بها أي عمل سحري إلا إذا إنطبعت ورسخت في أسُس القيام بأي عمل سحري ، إذاً هناك سؤال أصيل في أذهنة البشر هل حقاً تلك هيئته ؟ هل حقاً تم مسخه على تلك الهيئة !؟ إن الإجابة الفعلية لا يستطيعها إلا من ملك أعين الحقيقة المجردة ولكن هناك شذرات من أسُس الحقائق تدعى الدلالة والتي إذا غلبنا المنطق فيها سنصل إلى الحقيقة ، ولكن هي حقيقة في عقولنا حقيقة منقوصة لأننا لم نلمسها بل توصلنا إليها بمشاهدة عقلية لا مشاهدة عينية ، لذا إذا ماتحدثنا عن تلك الكينونة فهي كينونة تعبر عن ذاتها ، كينونة لها عقل ومنطق أرادت تغليب المنطق فصارت فكرة وأراد تغليب نفسه فصار عبرة ، ذلك هو الكيان المستشاط الشاطن المتشيطن ، نعم هو الذي حقد فتمرد فاحترق ! اذاً فلنبحث سوياً هل بالفعل ما اصطلح عليه شيطاناً كانت له تلك الأوصاف وكانت له تلك الهيئة وهل هيئته تلك هيئة مكتسبة ام هيئة مدّعاة تم رميه بها للتنفير منه أو للإستحقار به لننظر إلى ذلك الأمر بعين متفحصة مدققة ، سنجد أن له وصف ما تم ترسيخه في أذهان الجميع ، ولكن أن تلك الأوصاف هي في ذاتها مكمن عقائدي أراد الإله الفعلي وهو الله أن نؤمن بها بل ونتوارثها ايضاً عن طريق التعبد له في ما يسمى بالأضاحي والقرابين نعم إنها هي الحقيقة المنطقية التي مسخ الله بها الكيان الأعظم ولم ينكرها حتى المؤمنون به ، إنه ذو رأس كبش بقرون وإنه يجمع بين خلقة الإنسان والحيوان ، اذاً فتلك الهيئة مكتسبة فالإله الحق لم يخلقه عليها بل هي صورة إذا آمنا بها سنصل إلى حقيقة مفادها أنه كان أول أضحية في تاريخ البشرية لقد ضحى بنفسه دون أن يعلم وصار أضحية دهرية كتب عليها أن تنحر في اليوم بلايين المرات تقرباً ممن خلقه ، وأنه الفداء الأعظم للدخول في واحة الخالق الأبدي ، ولذلك الكيان الأعظم فلسفة القوي منطقاً والخبير علماً ، ولكنه كان مجرد كبش فداء لكل من أراد الدخول في عالم النور والخروج من سطوة الظلام ، اذاً فما دلائل مسخه على تلك الهيئة وما هو المنطق الذي عليه قامت تلك الهيئة ؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من معرفة أمر مهم ، إن كل شيء في الوجود مجرد شفرة رقمية ، بمعنى آخر مجرد "كود" في خضم أكواد رقمية يتم بها الخلق والتكوين ، ولكل حرف كيان رقمي قامت عليه أسُس الوجود ولولاه إنهدم ذلك الكون الفسيح فكل الكون قائم على الأرقام وكل الخلائق متواجدة اعتماداً على أرقام لو اختل رقم منها لانهدم الكون بما فيه ، لذا فحتى الأفكار الفلسفية العلمية وأسس تواجدها المنطقي لابد وأنها تعتمد على الأرقام ، وبالرجوع إلى أصل الفعل الذي قامت عليه أسس الطرد والمسخ بل والأصل الذي استمد منه الإسم الأزلي لأقوى كيان على تلك الأرض هو الفعل "شطن" ش ط ن שָּׂטָן والذي كتب أول ما كتب في ديانة اليهودية بل وبالعبرية أيضاً شطن وكذلك القربان الذي كتب أول ما كتب بلفظة قوربان وها هي الكلمة العبرية  קורבאן ولهذا فلو علمنا النذر اليسير عن حساب الجمل والتي فيها أن لكل حرف مقابل عددي واذا علمنا أيضاً ان الابجدية العبرية لها نفس المقابل العددي العربي ، فلو كان مثلاً حرف الكاف باللغة العربية بعشرين فإنه ايضاً في العبرية بعشرين ، فبحساب الجُمل العددية سنجد أن مبنى الفعل "شطن" يساوي 359 ومبنى المفعول به وهو القُربان ايضاً 359 ، اذاً المنطق الرياضي الدلالي بحساب الجُمل يقول لنا انه مجرد أضحية كونية أزلية كانت فعلته المتمردة هي من حكت عليه أن يكون أضحية على كل الأحوال باختلاف الألسنة واختلاف العقائد والأمكنة ولو تتبعنا المنطق الميثولوجي في كيفية تقريب الأضحية في بدايات الخلق الأول سنجد أن أول قربان تقدم به هابيل كان كبش أملح أقرن أتت نار من السماء فأخذته وكذلك تطالعنا كيفية تقديم الأضحية في الديانة اليهودية فنجد انه لابد أن تلقى في المحرقة حيث لم يكن الذبح قد استن بعد في الديانات الإبراهيمية ، اذاً فبمضاهاة الفعل والكينونة سنجد أن تمرد الكيان الأعظم جعله قربانا محترقاً يحيا بين العالمين وهو المخلوق سلفاً بصورة حسنة ولكن أتى المسخ فكان ما كان ، ولو تتبعنا المنطق الفعلي العقائدي في كلا الطرفين سواء المؤمنون بالله والمؤمنون بالشيطان سنجد أن كلا منهم يعضد موقف الآخر في هيئة ذلك الكيان الآن فالمؤمنون بالله لابد وأن تكون أشهر أضاحيهم هي الكباش والمؤمنون بالشيطان لابد وأن تكون رموزهم على هيئة أكباش المؤمنون بالله كانوا يحرقون الأضاحي قديماً ، بل والمؤمنون بالشيطان لابد وأن تكون محافلهم مليئة بالنيران وفي أوسطها رمز الكيان الأعظم ، إذاً فما المغزى من هذا المبحث ؟ إنه محاولة متواضعة للوصول إلى إجابة شافية على واحد من أعظم التساؤلات التي حيرت عقول البشر ، هل حقاً تلك هيئة الشيطان ؟ وإن كانت تلك هيئته فلماذا ؟
أخيراً أقول وأجيب أن المنطق والدلالة يقولون نعم ، بل أن العابدين والمطيعين له يؤكدون ذلك بالرموز التي ربما نتعرض لها في مبحث آخر والمنطق الدلالي لابد أن يجمع شقي الأمر معاً للوصول إلى الحقيقة فلو سألنا المؤمنون بالشيطان لوجدنا إنهم يؤكدون أن إلههم يشبه أضحية المؤمنين بالله ، اذاً فمن الأقوى ؟ هل الأضحية أم المضحى له ؟ اذاً فالأمر في غاية البساطة فهو مجرد أعظم كيان تم التضحية به وتم جعل التضحية به سُنّة في الأرض ، ولابد أن يُنحر في اليوم بلايين المرات جزاء منطقه الذي تمنطق به وهو أمر فلسفي سنتعرض له لاحقاً ايضاً وعلى الرغم من أن له كل المقدرات على التشكيل والتخليق بل ومحاولة مناطحة الله إلا أنه صار مجرد كبش فداء لكل من أراد الدخول إلى عالم النور فيجب على الجميع أن ينظر له بعين الإعتبار لا عين الإستهزاء والإستنكار ، لإننا شئنا أم أبينا فقد إمتلك الكيان الأعظم المنطق والعقل ومع هذا قد دخل الجحيم ، فأعظم به من جحيم ......... .

شكرا لتعليقك